النمو العضوي في مرحلة ما قبل المدرسة
( من السنة الثانية حتى الخامسة )
يختلف النمو العضوي في مرحلة ما قبل المدرسة التي تمتد بين السنتين الثانية والخامسة اختلافاً كبيراً عنه في مرحلة الرضاعة فليس في النمو العضوي لابن ما قبل المدرسة ما يوازي تلك ( القفزات ) النمائية الخاصة بالطفل وهو يجلس أو يقف أو يمشي للمرة الأولى ولا ننوي من هذا أن نقول بتوقف النمو الحركي في فترة ما قبل المدرسة بل بتدرجه وتنوعه وارتباطه بأنماط خاصة من التجربة والتمرين تغاير تجارب مرحلة الرضاعة.
النمو العضوي
يكون النمو في الطول والوزن أقل سرعة خلال فترة ما قبل المدرسة منه في مرحلة الرضاعة لكن ضربي النمو المذكورين يستمران في الزيادة بنسبة أسرع من نسبة تزايدهما في فترة الطفولة المتوسطة ويبلغ طول الطفل في نهاية السنة الثانية حوالي نصف طوله النهائي كراشد بالغ فيكون للطفل الكثير الحركة الذي يبلغ طوله 80 سم حظ في أن يزيد طوله على 18 سم عند رشده . ويزداد طول الطفل بمعدل 17 سم في السنة وذلك قبل السنة الثانية في حين لا يزيد معدل الزيادة السنوية بين السنتين الثانية والخامسة على 7 سم في العام . وتبطؤ زيادة الوزن أو تتوقف لفترة عندما يكون الطفل الكثير الحركة ثقيل الجسم الأمر الذي قد يجعله يغدو طويلاً نحيلاً دون أن يكتسب أي وزن خلال جانب من فترة ما قبل المدرسة تعد سيطرة الولد على أعضاء طرح النفايات وفق التواضعات الاجتماعية من أكثر أنواع النمو الحركي أهمية المألوف أن يسبق ضبط الأمعاء وتدريبها نظيره في المثانة إذ أن من السهل على الأطفال التحكم في أمعائهم قبل تمكنهم من التحكم في مثانتهم خاصة في أثناء الليل ويميل اغلب الأطفال للاستجابة للتدريب على التحكم في الأمعاء والمثانة حوالي السنة الثالثة على الرغم من قيام فروق فردية ترجع إلى نضج العضلات التي تتحكم بعضوي الغائط والبول والى جنس الولد واتجاهات الوالدين منه. والغالب أن تسبق البنات الصبيان في السيطرة والتحكم بحركة طرد النفايات . ويميل الصبيان خلافا للبنات لان يطيلوا فترة تبليل فراشهم على الرغم من احتمال تعرض الفئتين خلال مرحلة ما قبل المدرسة لحوادث طارئة تذهب مؤقتاً بمهارات السيطرة والتحكم .
يدرب العديد من البنات وبعض الصبيان أنفسهم بطريق إخبار أهليهم عن وقت شعورهم بالحاجة إلى الخروج للحمام ويتوقف العمر الذي يتدرب فيه الصغير على التحكم بعضلاته على زمن مبادرة الأهل له وتشددهم في متابعته وذلك بحمل طفلهم إلى الحمام في فترات منتظمة أو كلما أحسوا بحاجته لفعل ذلك . ولا بد أن يعاني الأطفال الذين يستمرون بتبليل فراشهم أو توسيخ ثيابهم حتى الطفولة المتوسطة من تأخر نمو الجهاز العضلي ومن مشاكل عاطفية أو من الاثنين معا . إن على أهل هؤلاء استشارة المختصين من أطباء ونفسيين لمعرفة المشكلات العاطفية المسؤولة عن عجز الصغار عن السيطرة على عضلاتهم ومساعدتهم على حلها .
يتجلى نمو الطفل ما قبل المدرسة في مجالات أخرى أيضاً إذ يستطيع الأطفال جميعهم إطعام أنفسهم في نهاية السنة الثانية واستخدام الشوكة والسكين بدرجة من الكفاءة أما استخدام السكين في القطع ودهن الخبزة بالزبدة فيتأخر لعدد من السنوات ويتمكن ابن الثالثة من خلع ملابسه كما يتمكن ابن الرابعة من لبس ثيابه بنفسه جزئياً وذلك بتبكيل أزراره . ولما كان استخدام الشوكة والسكين والملعقة يتم بتواضع اجتماعي محدد وجب ألا يبدأ به إلا بعد أن يكون الطفل قد امتلك القدرة الحركية الملائمة وذلك حوالي السنة السادسة أو السابعة .
تعد فعاليات الأرجحة والتسلق وقذف الكرة أهم الإنجازات الحركية لفترة ما قبل المدرسة ويستطيع معظم أبناء الثالثة اجتياز خط مستقيم غير أن التوازن في اجتياز الدائرة يتأخر سنوات عن ذلك التاريخ ولا يقوى الأطفال على الوقوف على قدم واحدة إلا في السنة الخامسة وتتفوق البنات على الصبيان في الفعالية المذكورة إذ يستطعن احتمال الوقوف على قدم واحدة لفترة أطول من الصبيان ويبدي نشاط الأطفال في التوازن على اللوح الخشبي تقدماً عادياً خلال النمو . وتقتصر قدرة أبناء الثانية على مجرد الوقوف على اللوح خلافاً لأبناء الثالثة فإنهم يمشون على اللوح الخشبي بمناوبة القدمين أما أبناء الرابعة والنصف فإنهم يمشون عليه بسرعة ودونما تردد .
يتضمن التسلق تقدماً نمائياً عادياً يشمل عوامل حركية وأخرى عاطفية وأهم المشكلات العاطفية المرتبطة بتسلق السلالم والشجار هي الخوف من السقوط يظهر التسلق في زحف الرضيع الصاعد للسلم . وما أن يبدأ الطفل بالمشي حتى يحاول تسلق السلالم دون أن يناوب قدميه وتبدأ مناوبة القدمين في السنة الرابعة والنصف الغالب ألا يحاول الأطفال نزول السلالم بمفردهم ولا يختلف تقدم الأطفال في قذف الأشياء عن تطورهم في تسلق السلالم .
يعكس اللعب نضج المهارات الحركية لدى أطفال ما قبل المدرسة إذ يحاول الصغار في الملعب تسلق المنحدرات الصغيرة وهبوطها والجلوس على الأراجيح وترك أنفسهم لأن يدفعوا . إن بإمكان أطفال ما قبل المدرسة استخدام عدد متباين من وسائل اللعب المكشوف مثل مقافز الغابة والزحافات وغيرها . ويشيع ركوب الدراجات الثلاثية العجلات بين أبناء الثالثة الذين يستطيعون تنسيق توجيه المقود وتحريك المدوس أما ركوب الدراجة المزدوجة العجلات فيتأخر حتى نهاية الخامسة تقريباً .
يستطيع أطفال ما قبل المدرسة في مجال اللعب بالأدوات الصغيرة إمساك الفراشي ودهن الخطوط والدوائر وقطع الورق وإلصاقه والتلوين بالرصاص . وما أن يقوى هؤلاء على استخدام القلم حتى يمارسوا عمليات الرسم التلقائي الذي يبدي تقدماً سنياً مضطرداً يبدأ الرسم بالخربشة البسيطة ويمر بمرحلة الخربشة التقليدية التي يمكن وصفها بالتالي : (( يضع ابن الرابعة ثلاث بقع من الدهان على الورقة ويصيح بالراشد تعال انظر عصفور الغابة الوحشي الكبير )) يرسم الأطفال الأشياء التي ترمز إلى الحوادث والأشياء الأخرى والأفكار وقد يكون الرسم أحياناً حافلة كبيرة حمراء وأحياناً أخرى أم الطفل .
ثم تأتي مرحلة الخربشة الموجهة حيث يطلق الأطفال خربشاتهم الموجهة المرغوبة سواء أكانت عمودية أم دائرية وتتمثل أغلب رسوم أبناء الرابعة حتى السابعة بتخطيط قبلي يحاولون فيه تمثيل شيء يرونه والعادة أن يبدأ الطفل برسم الرأس ثم العين والأنف والفم دون أن يتقيد بالضرورة بالأماكن العادية لتلك الأعضاء . ويحاول الصغار في المرحلة التخطيطية التي تظهر في السنة الخامسة تمثيل الشكل البشري كله الذي هو أنفسهم أن أمهم أو أبوهم وعلى الأهل لتشجيع نمو تلك المهارات الحركية توفير الأقلام والأصباغ والمكان الملائم والقماش وعليهم أيضاً الامتناع عن سؤال الولد رسم ما يريدون رسمه هم والإلحاح على سؤاله ماذا رسم
لا بد من الإشارة إلى استخدام فعاليات لعب طفل ما قبل المدرسة لأغراض اجتماعية عملية وذلك شأن المهارات المكتسبة كلها في تلك المرحلة . وتهدف فعالية طفل ما قبل المدرسة إضافة إلى عرض نشاطية الرضيع المتمثلة بتنمية المهارات الآلية والتناسق الحركي إلى تحقيق هدف أعم يتمثل بالبعد الاجتماعي الموجه صوب تحقيق التفاعل التبادلي التكيفي . ويمكن للعب أن يكون كل شيء أو بعضه أي للتسلية أو للتعبير عن الذات أو لتحقيق التكيف الاجتماعي .
وعلى الرغم من اتفاق علماء النفس حول التفاصيل الوصفية للنمو الحركي كما تظهر في الفعالية الذاتية للفرد والحركة واللعب فإنهم يختلفون في الرأي بصدد كيفية اكتساب الفرد لأنماط الفعل تلك . يدعي بعض الباحثين أن الأولاد ينمون أنماط الحركة الماهرة بمعونة فعالية (( فرز المعلومات )) فيكتسب الطفل حركة ما مثل التوازن فوق اللوح الخشبي بالمحاولة وتصحيحها في إطار التقليم الذي يتلقاه عبر قدميه وتغدو المهارات في المرحلة الأخيرة تبعا لهذه النظرة اكثر اقتصادية واقل تنوعا من مهارات المرحلة الأولى غير أن باحثين آخرين يؤكدون إن اكتساب أنماط الفعل الماهر يرجع إلى المهمة الحركية ذاتها رجوعه إلى ظاهرة فرز المعلومات فيجعل الطفل من استجابة معيارية يقيمها مثيرا محددا يعمد إلى تعديله لتمثل المواقف الجديدة . فقد يجرب الطفل على لوح التوازن خطوات مشيه ذاتها التي اعتادها في مشيته العادية على الأرض لكنه يزيد من سيطرته وتوجيهه استجابة للمثيرات الجديدة في الموقف الجديد وتقترح نظرية (( المعيار المقام )) أن الطفل يقيم تخطيطات معيارية لمختلف أنماط المهارات الحركية وإن المهارات الجديدة تكتسب بتعديل المهارات القديمة.
وهناك نظرية ثالثة تقرن فعل اكتساب المهارات بالنمو الإدراكي عامة واللغوي خاصة . فقد وصف الباحثون في إحدى الدراسات ثلاثة اتجاهات للنمو اللغوي هي التعقد والتنوع والحمل الوظيفي .
هكذا يتعقد النمو اللغوي من الناحية التصنيفية بحيث يعد الطفل الجمال والبغال والغنم حيوانات . ويتضمن كلام الطفل الكثير من المقاطع التي تتمثل بوجود أشباه جمل فرعية في الجملة وبزيادة العمر يحدث تنوع في الدور الوظيفي للحديث إذ تخدم الجملة الواحدة أكثر من وظيفة في العبارة الواحدة . ولقد صمم الباحثون ألعاباً تساعد على اختيار الأصناف والمقاطع وتنوع الدور وعرضوها على أطفال من مختلف الأعمار فوجدوا في المهمة التي أبدعوها أن اللعب مشى بذات الاتجاه الملاحظ في تطور اللغة مما سمح لهم بالقول إن النمو الحركي يتبع خط النمو اللغوي للطفل نفسه أو العكس .
ومن المفيد التأكيد على أن النظريات الثلاث لا تتعارض فيما بينها بل وعلى النقيض من ذلك تتكامل بصورة ما إلا أن تلك النظريات لم تكتمل بعد وما زال يعوزها أن تجمع الكثير من البيانات الداعمة أو المعارضة . وكل ما تقوله النظريات في هذه المرحلة هو أن المهارات الحركية إنجاز معقد ينمو بصورة تدريجية وأنه يتبع الخطوط العامة نفسها التي يتبعها اكتساب الأفكار المنطقية واللغة .
منقول