يعود ظهورها إلى بداية القرن الثامن الهجري:الحديدة.. من محطة للمسافرين وقرية للصيادين إلى مدينة نابضة بروح المعاصرة
البحر.. مرآة تعگس صورة عروس البحر الاحمر موشاة بالروعة والجمال
> معالم تاريخية وسياحية تمزج بين خضرة الشاطئ الآسرة وزرقة البحر المدهشة
تقع مدينة الحديدة في منتصف الساحل اليمني على الضفة الشرقية للبحر الأحمر أبتداء برأس الكثيب شمالاً إلى منطقة منظر جنوباً، وصحراء الزعفران شرقاً، وعلى خط عرض (45َ,14ْ) شمال خط الاستواء وعلى خط طول (43ْ) شرق خط الاستواء ويتدرج ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حتى 10 امتار شرقاً , ويعود أول ظهور لمدينة الحديدة إلي بداية القرن الثامن الهجري - الرابع عشر الميلادي كمحطة يستريح فيها المسافرون ثم تدرجت لتصبح قرية صغيرة من قرى الصيد فاستقر فيها الصيادون، واستخدمت كمحطة لإرشاد السفن الدولية ثم اتسعت وكبرت فصارت بلدة من بلدان اليمن وذلك في أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل القرن التاسع الهجري أي في أواخر دولة بني رسول، وذلك ما تم استنتاجه مما ذكره الشيخ العلامة الحجة القاضي "أحمد عثمان مطير" رحمه الله في كتابه "الدرة الفريدة في تاريخ مدينة الحديدة" عند إشارته إلى ما ذكره الشيخ العلامة "أحمد عبد الباري عاموه" في كتابه "إتحاف الأمة فيما اختص به الأمام الأعظم أبو حنيفة من المزايا والفضائل عن بقية الأئمة" كان ظهور الحديدة في حدود عام 700 هجرية بقوله: وقيل كان فيها امرأة واسمها حديدة -بمهملتين أولها مضمومة والثانية مفتوحة ثم مثناه تحتانية مشددة- لها محل ينزل عندها الغرباء والمسافرون لأجل المبيت والراحة قال وكانت قرية صغيرة قرب البحر يأوي إليها أصحاب الزواريق الذين يصطادون الحوت فنسبت القرية إليها أي إلى المرأة المذكورة قلت كان ذلك في أوائل القرن الثامن الهجري كما يظهر ذلك من تحديد الشيخ المذكور رحمه الله، ثم اتسعت القرية وكبرت فصارت بلدة من بلدان اليمن في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع. انتهى ما ذكره الشيخ "مطير"، وورد في كتاب مخطوط بعنوان "تهامة عبر التاريخ" لمؤلفه الأستاذ المرحوم "عبد الرحمن عبدالله صالح الحضرمي" رحمه الله ونفعنا بعلمه ما لفظه: قال ابن بطوطة في رحلته التي ابتدأت عام 725 هجرية بعد أن مر بُحلي بن يعقوب متجهاً إلى زبيد فقال أنه مر بمرسى الحادث ولم ينزل فيه فواصل رحلته إلى الأهواب، ثم نزل بزبيد، واستنتج الحضرمي من هذه الفقرة من أن الحديدة لم يكن لها ذكر إلا كمرسى لقوارب الصيد عرف بالمرسى الحادث أي الحديث لحداثته ثم حرف إلى الحديدا ثم حذف الألف وحل محله هاءً عرفت الحديدة. وهذا الاستنتاج حسب رأينا قد يكون غير صحيح؛ وذلك لورود الحادث، والحديدة في كتاب "تاريخ الدولة الرسولية في اليمن" لمؤلف مجهول عاش في القرن التاسع الهجري في موضعيين مختلفين من الكتاب، فإذا كان الحادث، والحديدة، تعني موقعاً واحداً حسب استنتاج الأستاذ "الحضرمي" كان من البديهي أن يشير مؤلف الكتاب إلى ذلك، فقد ورد في كتاب "تاريخ الدولة الرسولية في اليمن" ما لفظه: وصول القاضي "جمال الدين محمد بن موسى من مصر إلى الحادث في اليوم 29 من ذي القعدة سنة 726 هجرية وورد في نفس الكتاب ما لفظه: تقدم الأمير "فخر الدين أبوبكر السنبلي" إلى (الحُدَيْدَة) لأمور بدت منهم توجب الأدب وذلك نهار الاثنين من شهر شوال سنة 833 هجرية.
إعداد: مراد القدسي
اول غزو للحديدة
ومُنذ ذلك التاريخ تكرر ذكر مدينة الحديدة في العديد من الكتب التاريخية فقد ورد ذكرها في كتاب "بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد" لمؤلفه "ابن الديبع" أثناء سرده أحداث عام 857 هجرية ما لفظه: وفي شوال من سنة سبع وخمسين غرقت سفينة حُبَزـ بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة التحتانية ثم زاي ببطن الصفَّارية بين البقعة والحديدة ولم ينجُ من أهلها سوى البحارين وامرأة واحدة ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما ذكر "ابن الديبع" في موضع آخر أثناء سرده أعمال الملك مؤسس الدولة الطاهرية في اليمن، الملك المجاهد شمس الدين "عامر بن طاهر"، في عام 859 هجرية ما لفظه: فدخل موزع في ذي القعدة واستقر بها وأرسل للشيخ "عيسى بن عمر الثابتي" صاحب الحديدة، وكان قد وفد إلى الملك المجاهد وأخيه في مدينة عدن وحلف لهما ودعا إليهما فأمره أن يستقر ببيت الفقيه ابن عجيل ويمهد قواعد العرب هنالك وأرسل له من المال بما يعينه على ذلك فوصل إليها واستقر بها في جماعة من أهله، ومع مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي شهد بداية انتعاش الحديدة كمدينة وميناء من موانئ اليمن الهامة فقد ذكرها الملاح العربي اليمني أصلاً الشهير "بابن ماجد" في كتابه "الفوائد في أصول البحر والقواعد" وورد اسمها عند المؤرخ المعروف "بامخرمة" في كتابه "ثغر عدن" وذلك في عام 920 هجرية، واستمرت مدينة الحديدة تحت ولاية الدولة الطاهرية إلى أن غزا المماليك بقيادة "حسين الكردي" السواحل اليمنية بحجة مطاردة الوجود البرتغالي في البحر الأحمر وذلك في ذي القعدة سنة 921 هجرية فدخلوا ميناء الحديدة، ولكن الحال ضاق بهم حين لم يجدوا فيها مواد غذائية فغادروها إلى ميناء اللحية، فرحب بهم حاكم اللحية الفقيه "أبوبكر بن مقبول الزيلعي" وأمدهم بالطعام وبعد ذلك عادت السفن المصرية إلى مدينة الحديدة فقذفتها بالقنابل وأخذت أخشابها وأحجارها وبنت مسجداً في جزيرة كمران، وكان هذا أول غزو خارجي تتعرض له مدينة الحديدة، ثم تعرضت طول تاريخها إلى العديد من الغزوات الخارجية التي كانت تأتيها عبر البحر الأحمر سواءً من الشمال حيث الساحل المفتوح أو من الغرب نتيجة لقرب السواحل الأفريقية منها، ففي عام 946 هجرية دخل العثمانيون مدينة الحديدة واستمروا بها حتى دخلها الأمام المؤيد بالله "محمد بن القاسم" في عام 1038 هجرية، واستمرت تحت حكم الأئمة حتى عام 1217 هجرية، العام الذي خرج فيه على امام صنعاء أمير أبو عريش الشريف "حمود بن محمد الخيراتي" -الملقب بأبو مسمار- واستولى على تِهامة اليمن بدعم من الوهابيين وسيطر على مدينة الحديدة عام 1221 هجرية، حتى وفاته عام 1233 هجرية فخلفه على الامارة ولده الشريف "أحمد بن حمود" الذي كان ضعيفاً فلم تطل إمارته إلا إلى عام 1234 هجرية، العام الذي وصل فيه "خليل باشا" يرافقه "علي بن حيدر الخيراتي" على رأس حملة عسكرية كبيرة موفداً من قبل "محمد علي باشا" وبمجرد وصوله قبض على الشريف "أحمد" وأرسله إلى مصر وأعاد تهامة اليمن ومنها مدينة الحديدة إلى الإمام المهدي "عبدالله ابن المتوكل أحمد" وتولى الشريف "علي بن حيدر" على شطر من تهامة الشمالية، وفي عام 1246 هجرية استولى ابن مجثل -صاحب عسير- على بلاد تهامة اليمن ومدينة الحديدة، وفي 1250 هجرية وصلت حملة عثمانية بقيادة "محمد أمين" الذي حمل كتاباً إلى الشريف "علي بن حيدر الخيراتي" يقضي بإرسال أبنه "الحسين" مع الحملة إلى منطقة تهامة لاستخلاصها من العسيرين فنجحت الحملة واستعاد الشريف "علي الخيراتي" سلطته على مدينة الحديدة، إلا أن "محمد علي باشا" قام خلال عامي 53 - 1254 هجرية بالسيطرة الكاملة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر من ميناء العقبة شمالاً حتى باب المندب جنوباً، وبطبيعة الحال خضعت مدينة الحديدة لسيطرة "محمد علي باشا"، وفي عام 1256 هجرية 1840 ميلادية وتنفيذاً لقرارات مؤتمر لندرة اضطر "محمد علي باشا" لمغادرة المنطقة وتسليم مدينة الحديدة ومنطقة تهامة اليمن بالكامل إلى الشريف "حسين بن علي حيدر" ولم تُعَمر سيطرة الشريف "حسين" طويلاً لأن العثمانيون بأمر من السلطان "عبد المجيد بن محمود الثاني" وبقيادة "توفيق باشا" وأمير مكة الشريف "محمد بن عون" استعادوا السيطرة مجدداً على مدينة الحديدة في عام 1265 هجرية واصبح "توفيق باشا" حاكماً على تهامة اليمن، وفي عام 1288 هجرية غزا تهامة اليمن الشيخ "محمد بن عايض" -صاحب عسير- واستولى على مدينة الحديدة، إلا أن الجيش العثماني بقيادة "رديف" و"أحمد مختار باشا" ضموا عسير إلى مدينة الحديدة، وفي عام 1329 هجرية 1909 ميلادية بدأ العثمانيون العمل في مشروع إنشاء وربط طريق السكة الحديدية من رأس الكثيب إلى مدينة الحديدة ثم إلى العُجيلة بالقرب من مدينة باجل والذي كان مخطط له أن يمر بأغنى المراكز في اليمن كبيت الفقيه ابن عجيل، وإلى زبيد، و تعز، و ذمار، و العاصمة صنعاء، فمدينة عمران وفي مارس من عام 1911 ميلادية بدأ العمل فعلاً في إنشاء هذا الخط الحديدي ولكنه لم يتم لأن السفن والبوارج الإيطالية قامت بضربه خلال فترة الحرب الإيطالية التركية فتوقف بناء طريق السكة الحديدية إلا أن آثاره ما زالت موجودة في رأس الكثيب، وفي عام 1330 هجرية - 1912 ميلادية تعرضت مدينة الحديدة لقصف البوارج الإيطالية، ففي شهر يناير من نفس العام قامت السفن والبوارج الإيطالية بتدمير مواقع التحصينات الدفاعية للجيش العثماني في الجبانة (شمال مدينة الحديدة)، وفي شهر يوليو من نفس العام قامت سفينتان إيطاليتيان بقصف قلعتين خارج مدينة الحديدة وتدمير معسكر الجيش العثماني وسط مدينة الحديدة، وفي 23 يوليو من نفس العام أيضاً قامت السفن والبوارج الإيطالية بقصف قرية منظر -قرية تقع جنوب مدينة الحديدة وصل إليها التوسع العمراني في الوقت الحالي- كما قامت السفن والبوارج الإيطالية بتدمير قلعة في منطقة الحالي شمال شرق مدينة الحديدة، وفي 15 أغسطس من نفس العام قامت السفن والبوارج الإيطالية بقصف المستشفى العسكري العثماني بمدينة الحديدة، وخلال مرحلة الحرب العالمية الأولى تعرضت مدينة الحديدة أيضاً لمواجهة السفن والبوارج البريطانية عدة مرات خلال الفترة 1333– 1337 هجرية - 1914–1918 ميلادية وذلك من جراء ضرب مواقع الجيش العثماني في شبه الجزيرة العربية حتى تمكنت من الاستيلاء على مدينة الحديدة في شهر محرم من عام 1337 هجرية بعد حصارها وضربها بالمدافع والسفن والبوارج الحربية لمدة خمس سنوات، فقامت بتطويقها بأسلاك شائكة تمنع الداخل إليها والخارج منها، وفي عام 1339 هجرية - 1921 ميلادية قامت القوات البريطانية بتسليم مدينة الحديدة للأدارسة "محمد بن علي الأدريسي" ونتيجة لذلك أقفلت ست عشرة شركة كبرى في مدينة الحديدة وحولت التجارة إلى الموانئ الأخرى التي كان يسيطر عليها الأمام "يحيى بن محمد حميد الدين" وهي المخاء، والخوخة وما يليها في جنوب مدينة الحديدة، وفي يوم الجمعة الثاني من شهر رمضان من عام 1342 هجرية قام الأمام "يحيى بن محمد حميد الدين" بانتزاع مدينة الحديدة من الأدارسة على يد السيد "محمد بن الوزير" بغير ضربة ولا رمية ساعده في ذلك رفض الأهالي لحكم الأدارسة، وفي عام 1353 هجرية - 1934 ميلادية احتلت القوات السعودية مدينة الحديدة قرابة ستة أسابيع، ثم أجلت قواتها وجيوشها عقب توقيع اتفاقية الطائف في عام 1934 ميلادية واستمرت مدينة الحديدة مُنذ ذلك التاريخ تحت سيطرة حكم الأئمة حتى قيام الثورة اليمنية المباركة في 26 سبتمبر 1962 ميلادية.
ميناء الحديدة
كان موقع ميناء الحديدة القديم غرب حارة داخل السور، وكان يتكون من حاجزين للأمواج ورصيف صغير، وكانت السفن الشراعية الكبيرة والتجارية ترسو على بعد ميلين أو ثلاثة من الميناء القديم وكانت حمولتها تنقل على السفن الشراعية الصغيرة حتى قرب الساحل، ثم يتم نقل البضائع إلى مبنى الجمرك على أكتاف العمال، وبعد عام 1906 ميلادية وضع العثمانيون خططاً لإنشاء ميناء جديد عمقه خمس قامات يصلح لرسو 12 سفينة تفرغ حمولتها على رصيف من الحجر، وفي عام 1911 ميلادية شرع العثمانيون في بناء الميناء الجديد برأس الكثيب على بعد 17 كيلومتر شمال الحديدة تولى الفرنسيون بنائه، وخلال فترة الحرب الإيطالية العثمانية قام الإيطاليون بضربه بالمدافع فتوقف العمل في الميناء، وفي عام 1332 هجرية جرت محاولة من الفرنسيين لإعادة بناء الميناء الجديد برأس الكثيب بمدينة الحديدة إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل برفض عرضهم من قبل الإمام "يحيى بن محمد حميد الدين"، وعلى الرغم من رفضه لطلب الفرنسيين إلا أن الإمام "يحيى" أمر بوقف العمل في الميناء القديم في عام 1342 هجرية، وبدأ استخدام الميناء الجديد برأس الكثيب أمام الملاحة البحرية، وخلال الفترة 1958 - 1961 ميلادية قام الاتحاد السوفيتي ببناء ميناء جديد شمال مدينة الحديدة على بعد 5 كيلومترات برصيف يبلغ طوله 400 متر مزودً بممر ملاحي يبلغ طوله حوالي 6 كيلومترات وبعد قيام الثورة اليمنية الخالدة في 26 سبتمبر 1962 ميلادية قامت حكومة الثورة بتوسيع الميناء بزيادة أرصفته فأصبح الميناء حديثاً قادراً على استقبال العشرات من السفن التجارية في آن واحد، كما قامت الحكومة بإعادة استكمال بناء الميناء العائم برأس الكثيب الذي أصبح فيما بعد ميناء القوات البحرية.
> معالم تاريخية وسياحية تمزج بين خضرة الشاطئ الآسرة وزرقة البحر المدهشة
تقع مدينة الحديدة في منتصف الساحل اليمني على الضفة الشرقية للبحر الأحمر أبتداء برأس الكثيب شمالاً إلى منطقة منظر جنوباً، وصحراء الزعفران شرقاً، وعلى خط عرض (45َ,14ْ) شمال خط الاستواء وعلى خط طول (43ْ) شرق خط الاستواء ويتدرج ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حتى 10 امتار شرقاً , ويعود أول ظهور لمدينة الحديدة إلي بداية القرن الثامن الهجري - الرابع عشر الميلادي كمحطة يستريح فيها المسافرون ثم تدرجت لتصبح قرية صغيرة من قرى الصيد فاستقر فيها الصيادون، واستخدمت كمحطة لإرشاد السفن الدولية ثم اتسعت وكبرت فصارت بلدة من بلدان اليمن وذلك في أواخر القرن الثامن الهجري وأوائل القرن التاسع الهجري أي في أواخر دولة بني رسول، وذلك ما تم استنتاجه مما ذكره الشيخ العلامة الحجة القاضي "أحمد عثمان مطير" رحمه الله في كتابه "الدرة الفريدة في تاريخ مدينة الحديدة" عند إشارته إلى ما ذكره الشيخ العلامة "أحمد عبد الباري عاموه" في كتابه "إتحاف الأمة فيما اختص به الأمام الأعظم أبو حنيفة من المزايا والفضائل عن بقية الأئمة" كان ظهور الحديدة في حدود عام 700 هجرية بقوله: وقيل كان فيها امرأة واسمها حديدة -بمهملتين أولها مضمومة والثانية مفتوحة ثم مثناه تحتانية مشددة- لها محل ينزل عندها الغرباء والمسافرون لأجل المبيت والراحة قال وكانت قرية صغيرة قرب البحر يأوي إليها أصحاب الزواريق الذين يصطادون الحوت فنسبت القرية إليها أي إلى المرأة المذكورة قلت كان ذلك في أوائل القرن الثامن الهجري كما يظهر ذلك من تحديد الشيخ المذكور رحمه الله، ثم اتسعت القرية وكبرت فصارت بلدة من بلدان اليمن في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع. انتهى ما ذكره الشيخ "مطير"، وورد في كتاب مخطوط بعنوان "تهامة عبر التاريخ" لمؤلفه الأستاذ المرحوم "عبد الرحمن عبدالله صالح الحضرمي" رحمه الله ونفعنا بعلمه ما لفظه: قال ابن بطوطة في رحلته التي ابتدأت عام 725 هجرية بعد أن مر بُحلي بن يعقوب متجهاً إلى زبيد فقال أنه مر بمرسى الحادث ولم ينزل فيه فواصل رحلته إلى الأهواب، ثم نزل بزبيد، واستنتج الحضرمي من هذه الفقرة من أن الحديدة لم يكن لها ذكر إلا كمرسى لقوارب الصيد عرف بالمرسى الحادث أي الحديث لحداثته ثم حرف إلى الحديدا ثم حذف الألف وحل محله هاءً عرفت الحديدة. وهذا الاستنتاج حسب رأينا قد يكون غير صحيح؛ وذلك لورود الحادث، والحديدة في كتاب "تاريخ الدولة الرسولية في اليمن" لمؤلف مجهول عاش في القرن التاسع الهجري في موضعيين مختلفين من الكتاب، فإذا كان الحادث، والحديدة، تعني موقعاً واحداً حسب استنتاج الأستاذ "الحضرمي" كان من البديهي أن يشير مؤلف الكتاب إلى ذلك، فقد ورد في كتاب "تاريخ الدولة الرسولية في اليمن" ما لفظه: وصول القاضي "جمال الدين محمد بن موسى من مصر إلى الحادث في اليوم 29 من ذي القعدة سنة 726 هجرية وورد في نفس الكتاب ما لفظه: تقدم الأمير "فخر الدين أبوبكر السنبلي" إلى (الحُدَيْدَة) لأمور بدت منهم توجب الأدب وذلك نهار الاثنين من شهر شوال سنة 833 هجرية.
إعداد: مراد القدسي
اول غزو للحديدة
ومُنذ ذلك التاريخ تكرر ذكر مدينة الحديدة في العديد من الكتب التاريخية فقد ورد ذكرها في كتاب "بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد" لمؤلفه "ابن الديبع" أثناء سرده أحداث عام 857 هجرية ما لفظه: وفي شوال من سنة سبع وخمسين غرقت سفينة حُبَزـ بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة التحتانية ثم زاي ببطن الصفَّارية بين البقعة والحديدة ولم ينجُ من أهلها سوى البحارين وامرأة واحدة ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما ذكر "ابن الديبع" في موضع آخر أثناء سرده أعمال الملك مؤسس الدولة الطاهرية في اليمن، الملك المجاهد شمس الدين "عامر بن طاهر"، في عام 859 هجرية ما لفظه: فدخل موزع في ذي القعدة واستقر بها وأرسل للشيخ "عيسى بن عمر الثابتي" صاحب الحديدة، وكان قد وفد إلى الملك المجاهد وأخيه في مدينة عدن وحلف لهما ودعا إليهما فأمره أن يستقر ببيت الفقيه ابن عجيل ويمهد قواعد العرب هنالك وأرسل له من المال بما يعينه على ذلك فوصل إليها واستقر بها في جماعة من أهله، ومع مطلع القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي شهد بداية انتعاش الحديدة كمدينة وميناء من موانئ اليمن الهامة فقد ذكرها الملاح العربي اليمني أصلاً الشهير "بابن ماجد" في كتابه "الفوائد في أصول البحر والقواعد" وورد اسمها عند المؤرخ المعروف "بامخرمة" في كتابه "ثغر عدن" وذلك في عام 920 هجرية، واستمرت مدينة الحديدة تحت ولاية الدولة الطاهرية إلى أن غزا المماليك بقيادة "حسين الكردي" السواحل اليمنية بحجة مطاردة الوجود البرتغالي في البحر الأحمر وذلك في ذي القعدة سنة 921 هجرية فدخلوا ميناء الحديدة، ولكن الحال ضاق بهم حين لم يجدوا فيها مواد غذائية فغادروها إلى ميناء اللحية، فرحب بهم حاكم اللحية الفقيه "أبوبكر بن مقبول الزيلعي" وأمدهم بالطعام وبعد ذلك عادت السفن المصرية إلى مدينة الحديدة فقذفتها بالقنابل وأخذت أخشابها وأحجارها وبنت مسجداً في جزيرة كمران، وكان هذا أول غزو خارجي تتعرض له مدينة الحديدة، ثم تعرضت طول تاريخها إلى العديد من الغزوات الخارجية التي كانت تأتيها عبر البحر الأحمر سواءً من الشمال حيث الساحل المفتوح أو من الغرب نتيجة لقرب السواحل الأفريقية منها، ففي عام 946 هجرية دخل العثمانيون مدينة الحديدة واستمروا بها حتى دخلها الأمام المؤيد بالله "محمد بن القاسم" في عام 1038 هجرية، واستمرت تحت حكم الأئمة حتى عام 1217 هجرية، العام الذي خرج فيه على امام صنعاء أمير أبو عريش الشريف "حمود بن محمد الخيراتي" -الملقب بأبو مسمار- واستولى على تِهامة اليمن بدعم من الوهابيين وسيطر على مدينة الحديدة عام 1221 هجرية، حتى وفاته عام 1233 هجرية فخلفه على الامارة ولده الشريف "أحمد بن حمود" الذي كان ضعيفاً فلم تطل إمارته إلا إلى عام 1234 هجرية، العام الذي وصل فيه "خليل باشا" يرافقه "علي بن حيدر الخيراتي" على رأس حملة عسكرية كبيرة موفداً من قبل "محمد علي باشا" وبمجرد وصوله قبض على الشريف "أحمد" وأرسله إلى مصر وأعاد تهامة اليمن ومنها مدينة الحديدة إلى الإمام المهدي "عبدالله ابن المتوكل أحمد" وتولى الشريف "علي بن حيدر" على شطر من تهامة الشمالية، وفي عام 1246 هجرية استولى ابن مجثل -صاحب عسير- على بلاد تهامة اليمن ومدينة الحديدة، وفي 1250 هجرية وصلت حملة عثمانية بقيادة "محمد أمين" الذي حمل كتاباً إلى الشريف "علي بن حيدر الخيراتي" يقضي بإرسال أبنه "الحسين" مع الحملة إلى منطقة تهامة لاستخلاصها من العسيرين فنجحت الحملة واستعاد الشريف "علي الخيراتي" سلطته على مدينة الحديدة، إلا أن "محمد علي باشا" قام خلال عامي 53 - 1254 هجرية بالسيطرة الكاملة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر من ميناء العقبة شمالاً حتى باب المندب جنوباً، وبطبيعة الحال خضعت مدينة الحديدة لسيطرة "محمد علي باشا"، وفي عام 1256 هجرية 1840 ميلادية وتنفيذاً لقرارات مؤتمر لندرة اضطر "محمد علي باشا" لمغادرة المنطقة وتسليم مدينة الحديدة ومنطقة تهامة اليمن بالكامل إلى الشريف "حسين بن علي حيدر" ولم تُعَمر سيطرة الشريف "حسين" طويلاً لأن العثمانيون بأمر من السلطان "عبد المجيد بن محمود الثاني" وبقيادة "توفيق باشا" وأمير مكة الشريف "محمد بن عون" استعادوا السيطرة مجدداً على مدينة الحديدة في عام 1265 هجرية واصبح "توفيق باشا" حاكماً على تهامة اليمن، وفي عام 1288 هجرية غزا تهامة اليمن الشيخ "محمد بن عايض" -صاحب عسير- واستولى على مدينة الحديدة، إلا أن الجيش العثماني بقيادة "رديف" و"أحمد مختار باشا" ضموا عسير إلى مدينة الحديدة، وفي عام 1329 هجرية 1909 ميلادية بدأ العثمانيون العمل في مشروع إنشاء وربط طريق السكة الحديدية من رأس الكثيب إلى مدينة الحديدة ثم إلى العُجيلة بالقرب من مدينة باجل والذي كان مخطط له أن يمر بأغنى المراكز في اليمن كبيت الفقيه ابن عجيل، وإلى زبيد، و تعز، و ذمار، و العاصمة صنعاء، فمدينة عمران وفي مارس من عام 1911 ميلادية بدأ العمل فعلاً في إنشاء هذا الخط الحديدي ولكنه لم يتم لأن السفن والبوارج الإيطالية قامت بضربه خلال فترة الحرب الإيطالية التركية فتوقف بناء طريق السكة الحديدية إلا أن آثاره ما زالت موجودة في رأس الكثيب، وفي عام 1330 هجرية - 1912 ميلادية تعرضت مدينة الحديدة لقصف البوارج الإيطالية، ففي شهر يناير من نفس العام قامت السفن والبوارج الإيطالية بتدمير مواقع التحصينات الدفاعية للجيش العثماني في الجبانة (شمال مدينة الحديدة)، وفي شهر يوليو من نفس العام قامت سفينتان إيطاليتيان بقصف قلعتين خارج مدينة الحديدة وتدمير معسكر الجيش العثماني وسط مدينة الحديدة، وفي 23 يوليو من نفس العام أيضاً قامت السفن والبوارج الإيطالية بقصف قرية منظر -قرية تقع جنوب مدينة الحديدة وصل إليها التوسع العمراني في الوقت الحالي- كما قامت السفن والبوارج الإيطالية بتدمير قلعة في منطقة الحالي شمال شرق مدينة الحديدة، وفي 15 أغسطس من نفس العام قامت السفن والبوارج الإيطالية بقصف المستشفى العسكري العثماني بمدينة الحديدة، وخلال مرحلة الحرب العالمية الأولى تعرضت مدينة الحديدة أيضاً لمواجهة السفن والبوارج البريطانية عدة مرات خلال الفترة 1333– 1337 هجرية - 1914–1918 ميلادية وذلك من جراء ضرب مواقع الجيش العثماني في شبه الجزيرة العربية حتى تمكنت من الاستيلاء على مدينة الحديدة في شهر محرم من عام 1337 هجرية بعد حصارها وضربها بالمدافع والسفن والبوارج الحربية لمدة خمس سنوات، فقامت بتطويقها بأسلاك شائكة تمنع الداخل إليها والخارج منها، وفي عام 1339 هجرية - 1921 ميلادية قامت القوات البريطانية بتسليم مدينة الحديدة للأدارسة "محمد بن علي الأدريسي" ونتيجة لذلك أقفلت ست عشرة شركة كبرى في مدينة الحديدة وحولت التجارة إلى الموانئ الأخرى التي كان يسيطر عليها الأمام "يحيى بن محمد حميد الدين" وهي المخاء، والخوخة وما يليها في جنوب مدينة الحديدة، وفي يوم الجمعة الثاني من شهر رمضان من عام 1342 هجرية قام الأمام "يحيى بن محمد حميد الدين" بانتزاع مدينة الحديدة من الأدارسة على يد السيد "محمد بن الوزير" بغير ضربة ولا رمية ساعده في ذلك رفض الأهالي لحكم الأدارسة، وفي عام 1353 هجرية - 1934 ميلادية احتلت القوات السعودية مدينة الحديدة قرابة ستة أسابيع، ثم أجلت قواتها وجيوشها عقب توقيع اتفاقية الطائف في عام 1934 ميلادية واستمرت مدينة الحديدة مُنذ ذلك التاريخ تحت سيطرة حكم الأئمة حتى قيام الثورة اليمنية المباركة في 26 سبتمبر 1962 ميلادية.
ميناء الحديدة
كان موقع ميناء الحديدة القديم غرب حارة داخل السور، وكان يتكون من حاجزين للأمواج ورصيف صغير، وكانت السفن الشراعية الكبيرة والتجارية ترسو على بعد ميلين أو ثلاثة من الميناء القديم وكانت حمولتها تنقل على السفن الشراعية الصغيرة حتى قرب الساحل، ثم يتم نقل البضائع إلى مبنى الجمرك على أكتاف العمال، وبعد عام 1906 ميلادية وضع العثمانيون خططاً لإنشاء ميناء جديد عمقه خمس قامات يصلح لرسو 12 سفينة تفرغ حمولتها على رصيف من الحجر، وفي عام 1911 ميلادية شرع العثمانيون في بناء الميناء الجديد برأس الكثيب على بعد 17 كيلومتر شمال الحديدة تولى الفرنسيون بنائه، وخلال فترة الحرب الإيطالية العثمانية قام الإيطاليون بضربه بالمدافع فتوقف العمل في الميناء، وفي عام 1332 هجرية جرت محاولة من الفرنسيين لإعادة بناء الميناء الجديد برأس الكثيب بمدينة الحديدة إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل برفض عرضهم من قبل الإمام "يحيى بن محمد حميد الدين"، وعلى الرغم من رفضه لطلب الفرنسيين إلا أن الإمام "يحيى" أمر بوقف العمل في الميناء القديم في عام 1342 هجرية، وبدأ استخدام الميناء الجديد برأس الكثيب أمام الملاحة البحرية، وخلال الفترة 1958 - 1961 ميلادية قام الاتحاد السوفيتي ببناء ميناء جديد شمال مدينة الحديدة على بعد 5 كيلومترات برصيف يبلغ طوله 400 متر مزودً بممر ملاحي يبلغ طوله حوالي 6 كيلومترات وبعد قيام الثورة اليمنية الخالدة في 26 سبتمبر 1962 ميلادية قامت حكومة الثورة بتوسيع الميناء بزيادة أرصفته فأصبح الميناء حديثاً قادراً على استقبال العشرات من السفن التجارية في آن واحد، كما قامت الحكومة بإعادة استكمال بناء الميناء العائم برأس الكثيب الذي أصبح فيما بعد ميناء القوات البحرية.