أدب الطفل ووظيفته التعليمية والذوقية
د. عبدالرؤوف أبوالسعد
أ ـ الوظيفة التعليمية:
من أفضل الوسائل التعليمية تلك التي تتم بواسطة السمع والبصر، وترفض الورق كوسيلة للتعلم والتذوق. فالأدب المكتوب من الوسائل التعليمية المحدودة الأثر، وحينما يصبح الأدب مسموعاً أو مشاهداً فإنه ـ حينئذ ـ يؤدي دوره كاملاً .. كما أن التراث الشفهي كان من أقوى الوسائل في نقل المعارف، والحقائق، والنماذج الأدبية الراقية .. وذلك للأسباب التالية:
1 ـ أن أسلوب الحكى والقص يحقق الألفة، والعلاقة الحميمة، والمودة والثقة المتبادلة بين المتلقى، وهو هنا الطفل، ومَن في مستوى
مراحل الطفولة، و «القاص» أو «الحكواتي». وفي إطار هذا التبادل الدافئ في العلاقة تتسلل المعلومات بخفة وسهولة ويسر .. ويقبل عليها الأطفال بشوق ولهفة.
2 ـ أن رفض «فن الكتابة» واعتماد فن القصة على التلقي سماعاً وتلقي المسرح مشاهدة بصرية حيث المبدع يلتقي فيه مباشرة ـ أمر يحقق عمقاً في الذاكرة .. بحيث لا تنسى هذه الأعمال الفنية، وتظل محفورة في وجدان وعقل المتلقى، وتمده بالمعلومات في حينها.
3 ـ في المراحل المختلفة لنمو الأطفال، ينبغي بناء الأدب بعامة والقصص بخاصة على مواد تعليمية ترتبط بميول التلاميذ والأطفال
وخبراتهم، لأن مثل هذه المواد التعليمية تزيد من شغف الأطفال والتلاميذ بالأعمال الفنية، وتدفعهم إلى بذل المزيد من حسن الاستعداد،ومن الجهد العقلي للاستفادة من هذه المواد. كما تزيد من تهيئتهم للاستفادة الوجدانية وقدراتهم على الحفظ والقراءة والأداء اللغوي والصوتي السليم.
4 ـ الأدب في إطاره القصصي مصدر للنمو اللغوي السليم عند الأطفال والتلاميذ .. وبرغم ما في أطوار نمو الأطفال من اختلاف وتباين حيث الاستعدادات للتنمية اللغوية مختلفة .. فإن الأدب يساعد كل الأطفال، ابتداء من مرحلة الحضانة حتى عتبات الشباب على التحصيل اللغوي وتنميته، ويتزايد المحصول اللغوي، وتثري دلالاته وتتنوع استخداماته، وذلك بأثر من تزايد عمليات النضج الداخلي لدى الطفل، والخبرات التي تزوده بها البيئة والتجارب التي يمارسها بحكم تقبله وتلقيه للإبداعات وفي مقدمتها القصص والمسرحيات .. ثم ألوان الأدب المختلفة من أناشيد، وأشعار جميلة، وأغاني ذات إيقاع جماعي، لكن بشرط أن تكون هذه «الآداب» متلاقية مع حاجة من حاجات الأطفال.
5 ـ الأدب مصدر من مصادر المعرفة، في مرحلة من مراحل الخصوصيات المعرفية التي تصبح موضوع اهتمام المبدع مثل القصة أو المسرحية أو قطعة الشعر، حينما تكون حاملة للغة الخطاب المعرفي، والطفل والتلميذ والآباء والمدرسون يجدون في هذه النماذج الأدبية ما يجعل المتلقى من عالم الصغار قادراً على اكتساب ثقافات، وتتبع ما يجد من ألوانها ومن فنون المعرفة، ويكون عادات وجدانية تسهل التقاط المعرفة والأدب باعتباره نشاطاً لغوياً يساعد على التربية السليمة .. حيث الخبرة والعمل، والإحساس السليم والعاطفة الإيجابية تساعد الأدب على تنميتها، والأدب ـ فوق هذا ـ ينتقل بالمدرسة وبعمليتها التعليمية من مجرد تلقين التلميذ مواد دراسية إلى تزويده بالخبرات العقلية والوجدانية، وإعادة تنظيم خبراته السابقة، بصورة تضيف إلى معناها، وتزيد من قدرته على توجيه مجرى خبراته التالية نحو تحقيق أهداف التربية في خلق المواطن السليم جسماً وعقلاً وروحاً ووجداناً وقلباً .. إلخ.
ب ـ الوظيفة الجمالية التذوقية:
الطفل يولد بمشاعر رقيقة، وشعور فياض بالنيات الحسنة، والحب المتسامح النبيل .. وهو يولد مزوداً بخبرات فطرية جميلة .. فالطفل قيمة تنطوي على الخير والسعادة والرفاهية حباً ومودة وتواصلاً كما أنه معروف بشمولية ذوقه، ورهافة حسه وسعة خياله، وحبه وشوقه للمجهول، وقيام عالمه الطفولي على المغامرة، والحل والتركيب. والسؤال أن الأدب يخلق في عالم الطفل توجهات نحو الجمال، ويبرز القدرات المتذوقة ويكشف عن القدرة الإبداعية.
كما يستطيع الطفل بكل مراحل نموه، أن يكتسب قدرات التذوق حسب كل مرحلة، وخصائصها، وقيمها، وطبيعة العمل الأدبي المناسب لها .. بذلك نستطيع تنشئة الطفل تنشئة تذوقية حسب استعداده، وقدراته، وطبيعة مرحلته .. فرحلة الطفل خلال مراحل نموه برفقة الأدب، تخلق نوعاً من الصلة بين الجمال والإحساس به، ويمكن تلمس أثر هذا على الطفل الذي تعود الاستماع إلى الأدب أو مشاهدته، أو قراءته .. حيث الطفل يكون عادة في اتم صحته النفسية، وأكمل درجات نضجه، وأفضل حالاته الوجدانية والذهنية .. وهذا كله صدى للحس الذوقي الذي نما لديه أثر إرتباطه الدائم بالتذوق الأدبي. ويمكن بلورة العوامل التي تنمي التذوق الأدبي لدى الأطفال وذلك بأثر من تعاملهم مع الأدب استماعاً أو قراءة أو مشاهدة، وذلك فيما يلي:
1 ـ يعمل الأدب على تنشئة الشخصية، وتكاملها، ودعم القيم الاجتماعية والدينية، والثقافية .. ومن ثم تتكون عادات التذوق السليمة، والتوجهات نحو الجمال في كل ما يتصل بالحياة اليومية والاجتماعية، والحضارية. ويصبح الطفل قادراً على مواصلة علاقاته الإيجابية ببيئته، ويؤكد دائماً على مطالبه لتحقيق الجمال في حياته العامة والخاصة.
2 ـ تتكون لديه قدرات وخبرات وتجارب وثقافة تعمل على التأكيد على شخصية الطفل المتذوقة للجمال، وإصدار أحكام إيجابية لصالح النظام والنظافة، وذلك في إطار الجمال العام. بالإضافة إلى دعم القيم الروحية والقومية والوطنية لدى الأطفال، وذلك لخلق ثقة كاملة في مستقبل أمة تنهض على أكتاف مسئولين تربوا وهم أطفال على التذوق، والتمسك بالجمال في حياتهم الخاصة والعامة.
3 ـ كما أن تذوقهم للغة، وجمالياتها يساعد على تنشيط وجدانهم، وإكسابهم القدرة على تذوق اللغة واستعمالاتها وحسن توظيفها .. ومن ثم تتكون عادات عقلية وفكرية، تكون قادرة على تهيئة أطفال اليوم، ليصبحوا قادة المستقبل، ومفكريه.
4- ان الاطفال الذين ينشأون نشاة تذوقية ادبية يحققون اكتساب المهارات التالية :
- التعبير باللغة والرسم عن افكارهم واحساساتهم لتنمية قدراتهم على الاستفادة من الوان الثقافة وفنون المعرفة واعدادهم للمواقف الحيوية التي تتطلب القيادة والانتماء والتمسك بالجدية والاستفادة في الوقت نفسه من مباهج الحياة .
- التذوق اللغوي والادبي يحقق للاطفال مجالات وافاقا اوسع في تعاملهم واحتكاكهم الاجتماعي والانساني ويعالج سلبيات الاطفال المتمثلة في انطوائهم وعزلتهم وارتباك مواقفهم وتخرجهم هذه القدرات اللغوية وتذوق الادب من اطار عيوبهم الشخصية والاجتماعية الى اطار اوسع من النشاط والحيوية والتعاون والاقبال على الحياة .
- القدرة على القراءة الواعية وعلى تقدير قيمة الكلمة المكتوبة فكرية ووجدانية ومن ثم اعداد الاطفال لتولى اعمال اذاعية ومسرحية و...
- ان الادب يمكن الاطفال من معرفة الدلالات المعجمية ويزودهم بالدلالات الثانوية الموحية ويخلق لهم من خلال تذوقهم واستعمالاتهم ابعادا جديدة عن طريق المجازات التي هي في الحقيقة استعمالات لغوية تدل على الذكاء وحسن توظيف اللغة وضرورية لتنمية التعبير وامكاناته وتجديد طرائفه بل هنالك من يرى ان اللغة كلها مجازات .
- الادب فن والفن موطن الجمال وعلاقة الذوق بالفن قائمة على تنمية الاحساس بالجمال لدى اطفالنا .فالادب قادر على تغذية مخيلة الطفل بكل مايثير ويمتع.
- ان الادب في افقه الاوسع مجموعة من التجارب والخبرات وعندما نقدم شيئا منه لاطفالنا انما نقصد الى ان الاطفال لم يخوضوا اية تجربة شخصية مؤلمة ولم يستطيعوا التعرف على معنى وماهية الخوف القابع في اعماقهم ولهذا فانهم يجدون في ادبهم تعويضا عن ذلك في تلك الشخصيات والاحداث والمناسبات التي يتضمنها ادبهم .فكاتب ادب الاطفال العظيم هو القادر بحق على التعبير عن مشاعر الخوف العميقة لدى اطفالنا والقادر على ان يبتكر لهم مشاعرهم واحاسيس تربطهم بالحياة بشكل اجمل