الملخص
إن هذا البحث إنما اهتم بما هو مستقبلي، ليس على المستوى العلمي أو الإبهار الحضاري الذي يتطلع عليه جميع العلماء و طالبو التجدد، إنما نتعامل مع شيء مادي دقيق لا يمكن أن نبرمجه أو نحسبه كما يفعل علماء الرياضيات و الفيزياء، ولا نستطيع أن نخلطه بمواد كيميائية وينتج عن التفاعل ما نريد من الذهب الخالص!!
فالمادة التي نتكلم عنها هي نوع نادر يجب أن ندرسه بدقة وتمعن إنهم نواة المجتمع وأساس تقدم الأمم والحضارة وتقدم الشعوب إنهم الصغار كما نطلق عليهم بلغتنا الدارجة أو الأحداث كما يريد القانونيون أمثالنا أن يطلقوا عليهم.
إن محور الدراسة تدور حول القدرة ألمستطاعه على حماية الأحداث والأخذ بالأسباب التي تدفعهم إلى الرقي بتصرفاتهم وأفعالهم لكونوا مقبولين لدى مجتمعهم وفاعلين مؤثرين في القضايا العامة.
إن دراسة هذه الحالة وفق ترتيب واضح، وبدرجة كبيرة من التمحيص، يتطلب أن نتطرق في البداية إلى معنى الحدث، والحدث من الناحية اللغوية تعني "الحداثة" والحديث بكل شيء، والحدث المقصود هو الحديث من البشر أي الصغير، أما علماء النفس كانوا مختلفين عن علماء اللغة في تقدير العمر للصغير، فالنفسيون والاجتماعيون اعتبروا أن الكبر ينطوي على مقدار النضوج النفسي وليس العمري بشكل أساسي، وأن العمر ما هو إلا تعداد زمني من الطبيعي تعداده أو الوصول إليه.
أما الشريعة الإسلامية فإنها قدرت عمر الفتى أو الحدث بما هو فيزيائي أي أن عمر الحدث يتحدد عند البلوغ أي عند الاحتلام، وبعد ذلك عامل الإسلام من بلغ الحلم بأنه بالغ وعاقل أي أن العقل يكتمل ببلوغ الحلم والناحية الفيزيائية، هي بلوغ الإنسان السادسة عشرة من العمر، وبالتالي لم يسمح الإسلام التهاون مع ذلك الشخص من ناحية أعماله وطرق تفكيره أيضاً.
أما القانون فكانت له نظرته الخاصة و التفكير الخاص، و في بعض الأحيان اختلف واضعوه على قواعد معينة و اتفقوا على قواعد ونصوص أخرى، و قد قسم القانون الفلسطيني الصغير إلى أربعة أنواع، من حيث تحديد تعريفه، وهي:
1- كلمة (الحدث) كل شخص أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة ذكراً كان أم أنثى.
2- كلمة (ولد) كل شخص أتم التاسعة من العمر أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثالثة عشرة.
3- كلمة (المراهق) كل شخص أتم من العمر الثالثة عشرة سنة، أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم الثالثة عشرة سنة، غير أنة لم يتم الخامسة عشرة من العمر.
4- وتعني كلمة (فتى) كل شخص أتم من العمر الخامسة عشرة سنة، أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم الخامسة عشرة سنة، غير أنه لم يتم الثامنة عشرة من العمر.
لكن القانون الفلسطيني أخذ بكلمة الحدث بغض النظر عن عمر الصغير أو الفتى أو الحدث، وكان مع المشرع الفلسطيني في هذه التسمية أو المعرفة قانونياً العديد من التشريعات، مع بيان التقسيمات التي تم ذكرها أعلاه.
ولكن كيف كان لنا أن ندرك وضع الحدث القانوني في كل مرحلة، وهنا أشير إلى أن من واجبنا قبل التطرق إلى مسؤولية الحدث في كل مرحلة من المراحل، التحدث عن المسؤولية الجناية وأساس المسؤولية الجنائية والتي كانت نتاج العديد من النظريات ومنها من إعتقد أن أساس المسؤولية الجنائية تنبع من الاختيار حيث نوقش هذا الأمر مما دعا البعض من الفقهاء الأخذ بهذه النظرية أمثال الفقيه المركيز سيزار بكاريا، و منهم من اتخذ مبدءاً آخر أو نظرية آخرى وهي الجبرية أمثال الفقيه إليمينا كارنفالي، وأقصد بها الظروف والعوامل الطبيعية والاجتماعية والنفسية والبيئية التي تتحكم بتصرفات الأحداث والأفراد، وبالتالي تكون النتيجة أن العوامل الخارجية هي التي تدفع الفرد أو الحدث لارتكاب الجرائم أو خرق القانون، لكن هذا الرأي لم يرق لفقهاء آخرين والذين اعتدوا بنظرية آخرى وهي نظرية التوافق، وهذه النظرية تخلط بين النظريتين بإعتبارها تؤمن بأن الفرد ينتج أفعاله لإختياره للفعل أي أن إرادته وسلوكه تنتج الأفعال ولكن دون إهمال النظرية الحتمية أي العوامل الخارجية والتي هي العامل الاجتماعي والنفسي والبيئي، أي أن اختيار الفرد مع توفر العوامل الخارجية تدفع الفرد لارتكاب الأفعال غير القانونية مع أن هذه النظرية هي الأجدر اتخاذها ولكن القانون الفلسطيني أخذ بنظرية الاختيار دون غيرها.
وتختلف من الناحية القانونية المسؤولية الجنائية من سن إلى آخر، وتختلف التبعات القانونية لكل سن حيث قام القانون بمسائلته، فقد قرر المشرع الفلسطيني عدم وجود مسؤولية جنائية أو إمتناع المسؤولية الجنائية للحدث من بداية الولادة وقبل بلوغ سن السابعة من العمر، وبذلك لا يقر القانون بأي فعل ناتج عن الحدث الذي لم يبلغ من العمر سبع سنوات غير قانوني بإيقاع العقاب عليه، فالعبر من ذلك أن الفاعل شخص أو فرد غير قادر على إدراك صحة أفعاله من عدمه.
أما الشخص الذي بلغ من العمر ما بين السابعة حتى الثانية عشرة، فالقانون الفلسطيني حاسبه على أفعاله الإجرامية وجعل العقاب بوضع التدابير الاحترازية والإصلاحية المانعة لارتكابه أفعال إجرامية جديدة ومن خلال التدابير الإحترازية والإصلاح يتم متابعة الحدث وعلاجه من الأخطاء التي قد يقع فيها.
وقد شدد القانون الفلسطيني من الإجراءات التي تتخذ بحق الحدث الذي يزيد عمره عن الثانية عشرة وقبل إكتمال سن الخامسة عشرة وإعتبر أن الإجراءات الاحترازية والإصلاحية تؤخذ بها، ولكن مع إمكانية إدخال الحدث إصلاحية على أن تزيد المدة عن السنتين.
أما الفئة الرابعة وهم الأحداث الجانحين الذين لم يبلغوا من الثامنة عشرة ولم تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة، وبخصوص المرحلة الأخيرة من مراحل الحدث، والتي يطلق عليها المشرع اصطلاح الفتى، فقد افترض المشرع الفلسطيني بالنسبة لهذه الفئة توافر الأهلية الجزائية الناقصة، وان كان يقرر عذرا مخففا وجوبيا، وذلك في حال ارتكابه لأي جريمة سواء أكانت جناية أو جنحة أو مخالفة. وفي الوقت نفسه يجيز أعمال بعض التدابير الوقائية لهذه الفئة وفق حالات محددة.
كل ما ورد من شرح للقوانين و القواعد الخاصة بالأحداث الجانحين، فإن إجراءات الملاحقة والتحقيق لها القواعد المغايرة لما تقدم ذكره، وذلك لعدم وجود قوانين متخصصة بحالات الأحداث الجانحين، ويعتبر إجراء الملاحقة من بين هذه الإجراءات.
فيختص مأمورو الضبط القضائي بملاحقة الأحداث الجانحين حيث أعطى القانون الحق لرجال الشرطة بملاحقة الأحداث الجانحين مع المجرمين البالغين ويتولى مأمورو الضبط القضائي البحث والإستقصاء عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الإستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى حتى أن القانون لم يلزم جهة مختصة معينة لمتابعة فئة خاصة مثل الأحداث في جمع المعلومات والإستدلال، وقد كان ذلك مكملاً لما جاء في قانون إصلاح الأحداث المعمول به في الضفة الغربية وقانون المجرمين الصغار رقم (2) لسنة 1937م المعمول به في قطاع غزة.
وقد تم بيان أن المعاملات والإجراءات التي تتخذ ضد الأحداث أثناء التحقيق الإبتدائي هي مغايرة لما يتم مع البالغين وذلك مراعاة من المشرع لهذه الفئة والتي يحاول المشرع أن يقوم بعلاجهم وليس معاقبتهم على أفعالهم إلا أن المشرع لم يفرق في الإجراءات المتخذة ضد الحدث الجانح، فالقواعد القانونية المطبقة في فلسطين بشأن الأحداث الجانحين لم تتطرق أو لم تعالج تلك القواعد موضوع التحقيق الإبتدائي سواء أكان ذلك في الجهة التي تملك الصلاحيات بالتحقيق مع الحدث أو في الإجراءات الواجب اتخاذها بهذا الخصوص، إلا أنة أورد قواعد خاصة تضمن حماية للأحداث ومن بين هذه القواعد ما يتعلق بالتوقيف أو ما يعبر عنه بالحبس الإحتياطي.
أما من ناحية التوقيف فقد أجاز القانون الفلسطيني توقيف الحدث أو حبسه احتياطياً، ويتم إخلاء سبيل المتهم الحدث بتعهد يوقع عليه ولي أمره أو وصيه أو وكيله، إلا أن من حق مأمور الضبط القضائي توقيفه لحين عرضه للنيابة في الجنايات أو تكون مصلحة الحدث تقتضي ذلك أو أن إخلاء سبيل الحدث قد يؤدي إلى خلل في مجريات القضية.
أهم الإجراءات التي تتخذ ضد أي شخص سواء كان بالغاً أم حدثاً التقديم للمحاكمة، والأصل أن هناك متهماً تكون نهاية الإجراءات هو الوصول إلى مرحلة المحاكمة بحيث يجازى على الأفعال التي اقترفها في حق الآخرين، إلا أن هذه المحاكم التي يتم بها إجراء الجزاء أو البراءة لم تخصص في للفصل في قضايا الأحداث، بل إن المحكمة العادية سواء أكانت محكمة صلح أم محكمة بداية تعمل على حل تلك النزاعات، فما كان من بعض التشريعات إلا عمل محاكم مختصة في حل نزاعاتها، فقد عمدت بعض التشريعات على تشكيل محاكم مختصة في فض النزاع يكون فيها المتهم حدثاً، وقد عهد المشرع لتلك المحاكم الصلاحيات لخوض النزاعات التي يكون فيها المتهم حدثاً مبيناً جميع الإجراءات الواجب إتخاذها ضد المتهم وتوضيح الحقوق التي يتمتع بها الحدث، مع وضع القاعدة الرئيسية بعين الإعتبار وهو أن محاكمة الحدث ليست لغرض فرض العقوبة عليه بل أن هدف المحاكمة معرفة أسباب الجنوح ومعالجتها أي العمل على إصلاح الحدث وأخذ التدابير الإحترازية ضدة في حال كان الحدث خطراً، وأن يكون الهدف الرئيسي للقضاء هو رفاهية الحدث.
ولم ينص القانون الفلسطيني على تشكيل محاكم مختصة لقضايا الأحداث وإنما أعطى القانون الإختصاص لمحاكم الموضوع، وبالتالي تشكل محاكم الأحداث من المحاكم العادية التي تم تشكيلها للقضاء العادي ولكن بصفتها صاحبة الاختصاص، مع مراعاة بعض الأمور من بينها مكان تشكيلها، وقت تشكيلها، مراعاة صفة السرية في المحاكمات التي يتم عقدها للأحداث، مع بيان إمكانية وقف تنفيذ الأحكام وما الأسباب المؤدية لعدم القدرة على التنفيذ.
ومن ناحية أخرى فقد أعطى القانون الحق للحدث الجانح أو من ينوب عنه الاعتراض أو إستئناف الأحكام إعتقاداً منه أن الحكم الصادر هو غير صحيح وغير دقيق، فالمشرع أوجد طريقة للمتهم الحدث بالتعبير عن رفضه للحكم، وأعطى الحق له في إعادة الحكم أو حتى النظر في التعديل عن طريق الطعن في الأحكام الصادرة على الأحداث الجانحين في جميع الأحكام النهائية الصادرة في الموضوع، ولم يجيز المشرع الطعن بطريق النقض ما دام الطعن بطريق الإعتراض ممكناً، مع بيان الأحكام التي يمكن الطعن فيها والكيفية التي يتم بها.
ولم يتم إغفال إحدى القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام، فالتقادم هو حق لا يستطيع المحكوم علية التنازل عنه لأنه من النظام العام، وبالتالي فإن الإجراءات المتخذة بسريان التقادم والإنقطاع والوقف وغيرها من إجراءات بخصوص المتهمين البالغين تسري على الأحداث.
وقد أوضح الباحث بعض الأحكام التي تناولت كيفية التعامل مع الأحداث الجانحين والأساليب التي إتبعها في معالجتها، ومن المعلوم أنه توجد دور خاصة للأحداث الجانحين وهي معدودة في مناطق السلطة الفلسطينية، والتي تعمل بإشراف وزارة الشؤون الإجتماعية وهي مؤسسة الربيع: وهذه المؤسسة تخدم محافظات غزة والمنشأه ضمن قانون المجرمين الأحداث والتي تستقبل الأحداث الجانحين بين عمر 12-18 سواء كانوا موقوفين أو محكومين.
دار الأمل للملاحظة والرعاية الإجتماعية وهذه المؤسسة أو الدار تعمل على خدمة المحافظات الشمالية (الضفة الغربية) وضواحي القدس، و يتم إيواء الأحداث الجانحين الذين تبلغ أعمارهم ما بين 12-18 وسواء كانوا موقوفين أو محكوم عليهم، وهاتان المؤسستان مخصصتان لإيواء الأحداث الذكور دون الإناث، لذلك تم إنشاء دار مخصصة للإناث الجانحات والمشردات والتي تطلق عليها دار رعاية الفتيات وهذه الدار تعمل على خدمة قطاع غزة والمحافظات الشمالية (الضفة الغربية) وضواحي القدس.
وهذه المؤسسات يتم بنائها وفق المتطلبات المنصوص عليها قانوناً، ومن هذه المواصفات أن يتم إيهام الحدث أن الحال لم يتغير عليه، وأن الحياة العادية التي كان يمارسها في الخارج وفي البيت مشابهه للحياة داخل تلك المؤسسة، ولكن بشكل أكثر نظاماً وتعلم وإحساساً بالمسؤولية، فالقانون أوجب شروطاً لصحة المكان وذلك على سبيل المثال بأن يكون المبنى واسعاً، أن يكون المبنى في مكان قريب من المدارس والمحاكم والمناطق المأهولة بالسكان، أن يتم إبعاد المبنى من المناطق المشتبه بأنها تأوي من المجرمين أو الخارجين عن القانون.
النص الكامل
إن هذا البحث إنما اهتم بما هو مستقبلي، ليس على المستوى العلمي أو الإبهار الحضاري الذي يتطلع عليه جميع العلماء و طالبو التجدد، إنما نتعامل مع شيء مادي دقيق لا يمكن أن نبرمجه أو نحسبه كما يفعل علماء الرياضيات و الفيزياء، ولا نستطيع أن نخلطه بمواد كيميائية وينتج عن التفاعل ما نريد من الذهب الخالص!!
فالمادة التي نتكلم عنها هي نوع نادر يجب أن ندرسه بدقة وتمعن إنهم نواة المجتمع وأساس تقدم الأمم والحضارة وتقدم الشعوب إنهم الصغار كما نطلق عليهم بلغتنا الدارجة أو الأحداث كما يريد القانونيون أمثالنا أن يطلقوا عليهم.
إن محور الدراسة تدور حول القدرة ألمستطاعه على حماية الأحداث والأخذ بالأسباب التي تدفعهم إلى الرقي بتصرفاتهم وأفعالهم لكونوا مقبولين لدى مجتمعهم وفاعلين مؤثرين في القضايا العامة.
إن دراسة هذه الحالة وفق ترتيب واضح، وبدرجة كبيرة من التمحيص، يتطلب أن نتطرق في البداية إلى معنى الحدث، والحدث من الناحية اللغوية تعني "الحداثة" والحديث بكل شيء، والحدث المقصود هو الحديث من البشر أي الصغير، أما علماء النفس كانوا مختلفين عن علماء اللغة في تقدير العمر للصغير، فالنفسيون والاجتماعيون اعتبروا أن الكبر ينطوي على مقدار النضوج النفسي وليس العمري بشكل أساسي، وأن العمر ما هو إلا تعداد زمني من الطبيعي تعداده أو الوصول إليه.
أما الشريعة الإسلامية فإنها قدرت عمر الفتى أو الحدث بما هو فيزيائي أي أن عمر الحدث يتحدد عند البلوغ أي عند الاحتلام، وبعد ذلك عامل الإسلام من بلغ الحلم بأنه بالغ وعاقل أي أن العقل يكتمل ببلوغ الحلم والناحية الفيزيائية، هي بلوغ الإنسان السادسة عشرة من العمر، وبالتالي لم يسمح الإسلام التهاون مع ذلك الشخص من ناحية أعماله وطرق تفكيره أيضاً.
أما القانون فكانت له نظرته الخاصة و التفكير الخاص، و في بعض الأحيان اختلف واضعوه على قواعد معينة و اتفقوا على قواعد ونصوص أخرى، و قد قسم القانون الفلسطيني الصغير إلى أربعة أنواع، من حيث تحديد تعريفه، وهي:
1- كلمة (الحدث) كل شخص أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة ذكراً كان أم أنثى.
2- كلمة (ولد) كل شخص أتم التاسعة من العمر أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثالثة عشرة.
3- كلمة (المراهق) كل شخص أتم من العمر الثالثة عشرة سنة، أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم الثالثة عشرة سنة، غير أنة لم يتم الخامسة عشرة من العمر.
4- وتعني كلمة (فتى) كل شخص أتم من العمر الخامسة عشرة سنة، أو يدل ظاهر حاله على أنه أتم الخامسة عشرة سنة، غير أنه لم يتم الثامنة عشرة من العمر.
لكن القانون الفلسطيني أخذ بكلمة الحدث بغض النظر عن عمر الصغير أو الفتى أو الحدث، وكان مع المشرع الفلسطيني في هذه التسمية أو المعرفة قانونياً العديد من التشريعات، مع بيان التقسيمات التي تم ذكرها أعلاه.
ولكن كيف كان لنا أن ندرك وضع الحدث القانوني في كل مرحلة، وهنا أشير إلى أن من واجبنا قبل التطرق إلى مسؤولية الحدث في كل مرحلة من المراحل، التحدث عن المسؤولية الجناية وأساس المسؤولية الجنائية والتي كانت نتاج العديد من النظريات ومنها من إعتقد أن أساس المسؤولية الجنائية تنبع من الاختيار حيث نوقش هذا الأمر مما دعا البعض من الفقهاء الأخذ بهذه النظرية أمثال الفقيه المركيز سيزار بكاريا، و منهم من اتخذ مبدءاً آخر أو نظرية آخرى وهي الجبرية أمثال الفقيه إليمينا كارنفالي، وأقصد بها الظروف والعوامل الطبيعية والاجتماعية والنفسية والبيئية التي تتحكم بتصرفات الأحداث والأفراد، وبالتالي تكون النتيجة أن العوامل الخارجية هي التي تدفع الفرد أو الحدث لارتكاب الجرائم أو خرق القانون، لكن هذا الرأي لم يرق لفقهاء آخرين والذين اعتدوا بنظرية آخرى وهي نظرية التوافق، وهذه النظرية تخلط بين النظريتين بإعتبارها تؤمن بأن الفرد ينتج أفعاله لإختياره للفعل أي أن إرادته وسلوكه تنتج الأفعال ولكن دون إهمال النظرية الحتمية أي العوامل الخارجية والتي هي العامل الاجتماعي والنفسي والبيئي، أي أن اختيار الفرد مع توفر العوامل الخارجية تدفع الفرد لارتكاب الأفعال غير القانونية مع أن هذه النظرية هي الأجدر اتخاذها ولكن القانون الفلسطيني أخذ بنظرية الاختيار دون غيرها.
وتختلف من الناحية القانونية المسؤولية الجنائية من سن إلى آخر، وتختلف التبعات القانونية لكل سن حيث قام القانون بمسائلته، فقد قرر المشرع الفلسطيني عدم وجود مسؤولية جنائية أو إمتناع المسؤولية الجنائية للحدث من بداية الولادة وقبل بلوغ سن السابعة من العمر، وبذلك لا يقر القانون بأي فعل ناتج عن الحدث الذي لم يبلغ من العمر سبع سنوات غير قانوني بإيقاع العقاب عليه، فالعبر من ذلك أن الفاعل شخص أو فرد غير قادر على إدراك صحة أفعاله من عدمه.
أما الشخص الذي بلغ من العمر ما بين السابعة حتى الثانية عشرة، فالقانون الفلسطيني حاسبه على أفعاله الإجرامية وجعل العقاب بوضع التدابير الاحترازية والإصلاحية المانعة لارتكابه أفعال إجرامية جديدة ومن خلال التدابير الإحترازية والإصلاح يتم متابعة الحدث وعلاجه من الأخطاء التي قد يقع فيها.
وقد شدد القانون الفلسطيني من الإجراءات التي تتخذ بحق الحدث الذي يزيد عمره عن الثانية عشرة وقبل إكتمال سن الخامسة عشرة وإعتبر أن الإجراءات الاحترازية والإصلاحية تؤخذ بها، ولكن مع إمكانية إدخال الحدث إصلاحية على أن تزيد المدة عن السنتين.
أما الفئة الرابعة وهم الأحداث الجانحين الذين لم يبلغوا من الثامنة عشرة ولم تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة، وبخصوص المرحلة الأخيرة من مراحل الحدث، والتي يطلق عليها المشرع اصطلاح الفتى، فقد افترض المشرع الفلسطيني بالنسبة لهذه الفئة توافر الأهلية الجزائية الناقصة، وان كان يقرر عذرا مخففا وجوبيا، وذلك في حال ارتكابه لأي جريمة سواء أكانت جناية أو جنحة أو مخالفة. وفي الوقت نفسه يجيز أعمال بعض التدابير الوقائية لهذه الفئة وفق حالات محددة.
كل ما ورد من شرح للقوانين و القواعد الخاصة بالأحداث الجانحين، فإن إجراءات الملاحقة والتحقيق لها القواعد المغايرة لما تقدم ذكره، وذلك لعدم وجود قوانين متخصصة بحالات الأحداث الجانحين، ويعتبر إجراء الملاحقة من بين هذه الإجراءات.
فيختص مأمورو الضبط القضائي بملاحقة الأحداث الجانحين حيث أعطى القانون الحق لرجال الشرطة بملاحقة الأحداث الجانحين مع المجرمين البالغين ويتولى مأمورو الضبط القضائي البحث والإستقصاء عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الإستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى حتى أن القانون لم يلزم جهة مختصة معينة لمتابعة فئة خاصة مثل الأحداث في جمع المعلومات والإستدلال، وقد كان ذلك مكملاً لما جاء في قانون إصلاح الأحداث المعمول به في الضفة الغربية وقانون المجرمين الصغار رقم (2) لسنة 1937م المعمول به في قطاع غزة.
وقد تم بيان أن المعاملات والإجراءات التي تتخذ ضد الأحداث أثناء التحقيق الإبتدائي هي مغايرة لما يتم مع البالغين وذلك مراعاة من المشرع لهذه الفئة والتي يحاول المشرع أن يقوم بعلاجهم وليس معاقبتهم على أفعالهم إلا أن المشرع لم يفرق في الإجراءات المتخذة ضد الحدث الجانح، فالقواعد القانونية المطبقة في فلسطين بشأن الأحداث الجانحين لم تتطرق أو لم تعالج تلك القواعد موضوع التحقيق الإبتدائي سواء أكان ذلك في الجهة التي تملك الصلاحيات بالتحقيق مع الحدث أو في الإجراءات الواجب اتخاذها بهذا الخصوص، إلا أنة أورد قواعد خاصة تضمن حماية للأحداث ومن بين هذه القواعد ما يتعلق بالتوقيف أو ما يعبر عنه بالحبس الإحتياطي.
أما من ناحية التوقيف فقد أجاز القانون الفلسطيني توقيف الحدث أو حبسه احتياطياً، ويتم إخلاء سبيل المتهم الحدث بتعهد يوقع عليه ولي أمره أو وصيه أو وكيله، إلا أن من حق مأمور الضبط القضائي توقيفه لحين عرضه للنيابة في الجنايات أو تكون مصلحة الحدث تقتضي ذلك أو أن إخلاء سبيل الحدث قد يؤدي إلى خلل في مجريات القضية.
أهم الإجراءات التي تتخذ ضد أي شخص سواء كان بالغاً أم حدثاً التقديم للمحاكمة، والأصل أن هناك متهماً تكون نهاية الإجراءات هو الوصول إلى مرحلة المحاكمة بحيث يجازى على الأفعال التي اقترفها في حق الآخرين، إلا أن هذه المحاكم التي يتم بها إجراء الجزاء أو البراءة لم تخصص في للفصل في قضايا الأحداث، بل إن المحكمة العادية سواء أكانت محكمة صلح أم محكمة بداية تعمل على حل تلك النزاعات، فما كان من بعض التشريعات إلا عمل محاكم مختصة في حل نزاعاتها، فقد عمدت بعض التشريعات على تشكيل محاكم مختصة في فض النزاع يكون فيها المتهم حدثاً، وقد عهد المشرع لتلك المحاكم الصلاحيات لخوض النزاعات التي يكون فيها المتهم حدثاً مبيناً جميع الإجراءات الواجب إتخاذها ضد المتهم وتوضيح الحقوق التي يتمتع بها الحدث، مع وضع القاعدة الرئيسية بعين الإعتبار وهو أن محاكمة الحدث ليست لغرض فرض العقوبة عليه بل أن هدف المحاكمة معرفة أسباب الجنوح ومعالجتها أي العمل على إصلاح الحدث وأخذ التدابير الإحترازية ضدة في حال كان الحدث خطراً، وأن يكون الهدف الرئيسي للقضاء هو رفاهية الحدث.
ولم ينص القانون الفلسطيني على تشكيل محاكم مختصة لقضايا الأحداث وإنما أعطى القانون الإختصاص لمحاكم الموضوع، وبالتالي تشكل محاكم الأحداث من المحاكم العادية التي تم تشكيلها للقضاء العادي ولكن بصفتها صاحبة الاختصاص، مع مراعاة بعض الأمور من بينها مكان تشكيلها، وقت تشكيلها، مراعاة صفة السرية في المحاكمات التي يتم عقدها للأحداث، مع بيان إمكانية وقف تنفيذ الأحكام وما الأسباب المؤدية لعدم القدرة على التنفيذ.
ومن ناحية أخرى فقد أعطى القانون الحق للحدث الجانح أو من ينوب عنه الاعتراض أو إستئناف الأحكام إعتقاداً منه أن الحكم الصادر هو غير صحيح وغير دقيق، فالمشرع أوجد طريقة للمتهم الحدث بالتعبير عن رفضه للحكم، وأعطى الحق له في إعادة الحكم أو حتى النظر في التعديل عن طريق الطعن في الأحكام الصادرة على الأحداث الجانحين في جميع الأحكام النهائية الصادرة في الموضوع، ولم يجيز المشرع الطعن بطريق النقض ما دام الطعن بطريق الإعتراض ممكناً، مع بيان الأحكام التي يمكن الطعن فيها والكيفية التي يتم بها.
ولم يتم إغفال إحدى القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام، فالتقادم هو حق لا يستطيع المحكوم علية التنازل عنه لأنه من النظام العام، وبالتالي فإن الإجراءات المتخذة بسريان التقادم والإنقطاع والوقف وغيرها من إجراءات بخصوص المتهمين البالغين تسري على الأحداث.
وقد أوضح الباحث بعض الأحكام التي تناولت كيفية التعامل مع الأحداث الجانحين والأساليب التي إتبعها في معالجتها، ومن المعلوم أنه توجد دور خاصة للأحداث الجانحين وهي معدودة في مناطق السلطة الفلسطينية، والتي تعمل بإشراف وزارة الشؤون الإجتماعية وهي مؤسسة الربيع: وهذه المؤسسة تخدم محافظات غزة والمنشأه ضمن قانون المجرمين الأحداث والتي تستقبل الأحداث الجانحين بين عمر 12-18 سواء كانوا موقوفين أو محكومين.
دار الأمل للملاحظة والرعاية الإجتماعية وهذه المؤسسة أو الدار تعمل على خدمة المحافظات الشمالية (الضفة الغربية) وضواحي القدس، و يتم إيواء الأحداث الجانحين الذين تبلغ أعمارهم ما بين 12-18 وسواء كانوا موقوفين أو محكوم عليهم، وهاتان المؤسستان مخصصتان لإيواء الأحداث الذكور دون الإناث، لذلك تم إنشاء دار مخصصة للإناث الجانحات والمشردات والتي تطلق عليها دار رعاية الفتيات وهذه الدار تعمل على خدمة قطاع غزة والمحافظات الشمالية (الضفة الغربية) وضواحي القدس.
وهذه المؤسسات يتم بنائها وفق المتطلبات المنصوص عليها قانوناً، ومن هذه المواصفات أن يتم إيهام الحدث أن الحال لم يتغير عليه، وأن الحياة العادية التي كان يمارسها في الخارج وفي البيت مشابهه للحياة داخل تلك المؤسسة، ولكن بشكل أكثر نظاماً وتعلم وإحساساً بالمسؤولية، فالقانون أوجب شروطاً لصحة المكان وذلك على سبيل المثال بأن يكون المبنى واسعاً، أن يكون المبنى في مكان قريب من المدارس والمحاكم والمناطق المأهولة بالسكان، أن يتم إبعاد المبنى من المناطق المشتبه بأنها تأوي من المجرمين أو الخارجين عن القانون.
النص الكامل