تعريف الموسيقى ومفهومها عند العرب
الموسيقى غذاء للروح وشفاء للنفس، ملهمة الفنان، مفككة الأحزان، محركة الشعور، مهدئة الأعصاب، مقوية العزيمة، مبعدة الهزيمة، علاج المرضى.
يتذوقها الطفل الرضيع والشاب المراهق، الرجل العاقل والكهل المسن، كل على هواه. يطرب لسماعها كل إنسان، أيا تكن البيئة التي ينتمي إليها أو اللغة التي يتكلم بها وكأنها وجدت قبل وجوده وجبلت وعجنت بدمه فأخذت من حواسه وتفكيره. كيف لا وقد خلق الله الإنسان في طبيعية موسيقية، من خرير مياه النهر إلى صوت الموج الصاخب، ومن حفيف أوراق الأشجرا إلى صوت الرعد الصارخ، ومن هديل الحمام وزقزقة العصافير إلى زمجرة أسد غاضب. كل هذه الأصوات سمعها الإنسان منذ نشأته الأولى فرعاها وأدركها وحاول تقليدها ثم آخى بين بعضها بعضا، وزاوج بين بعضها الآخر، فتكونت لديه موهبة جديدة. ثم اخترع الآلات الموسيقية والأدوات الصوتية ليريح جسده من الرتابة وعناء التقليد، ثم شارك بين صوته وصوت الآلة فكان من ذلك كله انسجام جديد وعمل طريف ما زال يتطور ويتقدم حتى تكونت الموسيقى.
وهكذا فإن الموسيقى قديمة قدم الإنسان، عرفتها جميع الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة وما قبل التاريخ، فهي من مستلزمات الحياة الفردية والاجتماعية لا يكاد يخلو منها زمان أو مكان. وقد أجمعت الدراسات النفسية في كل العصور على أن الموسيقى تلطف المشاعر وترهف الأحاسيس وتسمو بالنفوس وتبعث فيها النشوة والبسمة. وحيث أن الإنسان العربي قديم قد التاريخ. وإن الآثار كشفت عن وجود ممالك عربية ذات مدنيات خاصة تضارع بابل وأشور. لذلك لا بد لنا من كشف النقاب عن هذا الفن عند العرب.
وهنا يعود بنا التاريخ إلى العصر الجاهلي حيث اشتهر العرب بفن الغناء والشعر. وإن الشعر الجاهلي بما يبلغه من تطور ونضج ينم عن مدى تعلق العرب المبكر بهذا الفن، ويدل على أهميته الكبرى عندهم. ونستطيع أن نتبين أعماق الفكر العربي في هذا المجال إذا قرأنا أشعار امرئ القيس والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى والأعشى وعنترى وغيرهم. وإن ما يتميز به هذا الشعر من موسيقى وإيقاع بسبب الأوزان والقوافي قد منح الإنسان العربي ذوقا رفيعا في الموسيقى والغناء، وأذنا تتقبل الإيقاعات التي تتفق مع ذوقه الموسيقي.
ثم تطور هذا الفن الموسيقي في ركب الحضارة العربية حتى بلغ ذروة مجده. وإذا ما تطلعنا إلى هذا التطور فإننا نذهل لضخامة وقيمة الإبداع الذي أظهره العربي في هذا المجال من إتقان للسلم الموسيقي والآلات الموسيقية.
لقد اهتم العرب اهتماما كاملا بالموسيقى ونظروا إلى هذه الصناعة نظرة إجلال واحترام وحظي المجيدون فيها بكل عناية وتقدير، وشغف بها الخلفاء والأمراء والقضاة والفلاسفة والعلماء وأعطوها حقها من الرعاية والتقدير.
والتقدم في الموسيقى يستتبع التقدم في صناعة الآلات الموسيقية، لا سيما لدى شعب عملي كالشعب العربي. فقد حقق العرب منجزات كبيرة في علم الحيل وتقنية الآلات وجعلوا من صناعة الآلات الموسيقية فنا رفيعا. فهناك عدة وسائل في صناعتها، وهناك دلائل على أن العرب كانوا مبتكرين في هذا المضمار: فزلزل أدخل العود الشبوطي، والزنام أو الزلام رسم آلة هوائية تسمى ناي زنامي أو زلامي، وأضاف زرياب إلى أوتار العود الأربعة وترا خامسا، ورتب هذه الأوتار بحيث يعادل كل وتر ثلاثة أرباع ما فوقه، واخترع مضراب العود من قوادم النسر بعد أن كان من مرهن الخشب. وفي أواخر القرن التاسع الميلادي وضع أبناء موسى بن شاكر أسس وقواعد الموسيقى الميكانيكية واستعملوا البريخ الموسيقي لتوزيع الألحان. هذه الموسيقى التي لم تظهر بوادرها في أوروبا إلا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. وفي القرن العاشر الميلادي ابتكر الفارابي الربابة والقانون. واشتهر العباس وأبو المجد بصناعة الأرغن. وأما صفي الدين عبد المؤمن الأرموي فقد اخترع القانون المربع المسمى نزهة وآلة أخرى تسمى المغنى.
هذا هو مفهوم الموسيقى في العالم العربي، وهذا إنتاجهم في هذا المضمار. لقد أبدع المفكرون والعلماء العرب في علم الموسيقى ووصفوا له القواعد والأصول وسموا به سمو النفس الرفيعة المتعالية، واحترموا المجيدين فيه وأعلوا من شأنهم.
ومن حياة العرب اليومية، تؤكد بعض الروايات التي وردت في (الأغاني، إحياء علوم الدين، العقد الفريد) تؤكد على أن الجمل يغير خطواته بحسب تغيير الإيقاع والوزن، والغزال يسهل قيادته بالألحان، والحيات تنسحر، والنمل يرتمي في النار، وبعض الطيور تهوى ميتة على صوت الموسيقى، وان أناساً تأثروا بالصوت الحسن تأثراً شديداً .
والروايات القديمة تحكي لنا الكثير عن هذا الموضوع . نقول إحداها:
" إن الطير والوحش كانت تصغي إلى صوت النبي داوود، والسبعين نغمة التي كانت تصدرها حنجرته، وكان من يسمعه يغمى عليه من الطرب " .
ولقد لعبت الموسيقى دوراً هاماً في أسرار العرافين والسحرة، والأنبياء العرب مثلهم في ذلك مثل جميع الساميين.
ومن الواضح أنهم كانوا يستدعون الجن بالموسيقى، ومن بقايا هذه المعتقدات تمسكهم فيما بعد بأن الجن يوحون بالأشعار للشعراء، وبالألحان للموسيقيين. ويعطينا القرآن بعض التصورات الهامة المتعلقة بالموسيقى والسحر، وقد أكد فقه اللغة الصلة الوثيقة بينهما.
فالعربية تطلق على صوت الجن " العَزْف " وهو اسم آلة موسيقية خاصة أيضاً وحين يشبه اليهود "روح القدس " بأصوات القيثارة، كما نرى في أناشيد سليمان يبدو أنهم استقلوا هذا الرمز البارز من الثقافات البدائية .
الموسيقى غذاء للروح وشفاء للنفس، ملهمة الفنان، مفككة الأحزان، محركة الشعور، مهدئة الأعصاب، مقوية العزيمة، مبعدة الهزيمة، علاج المرضى.
يتذوقها الطفل الرضيع والشاب المراهق، الرجل العاقل والكهل المسن، كل على هواه. يطرب لسماعها كل إنسان، أيا تكن البيئة التي ينتمي إليها أو اللغة التي يتكلم بها وكأنها وجدت قبل وجوده وجبلت وعجنت بدمه فأخذت من حواسه وتفكيره. كيف لا وقد خلق الله الإنسان في طبيعية موسيقية، من خرير مياه النهر إلى صوت الموج الصاخب، ومن حفيف أوراق الأشجرا إلى صوت الرعد الصارخ، ومن هديل الحمام وزقزقة العصافير إلى زمجرة أسد غاضب. كل هذه الأصوات سمعها الإنسان منذ نشأته الأولى فرعاها وأدركها وحاول تقليدها ثم آخى بين بعضها بعضا، وزاوج بين بعضها الآخر، فتكونت لديه موهبة جديدة. ثم اخترع الآلات الموسيقية والأدوات الصوتية ليريح جسده من الرتابة وعناء التقليد، ثم شارك بين صوته وصوت الآلة فكان من ذلك كله انسجام جديد وعمل طريف ما زال يتطور ويتقدم حتى تكونت الموسيقى.
وهكذا فإن الموسيقى قديمة قدم الإنسان، عرفتها جميع الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة وما قبل التاريخ، فهي من مستلزمات الحياة الفردية والاجتماعية لا يكاد يخلو منها زمان أو مكان. وقد أجمعت الدراسات النفسية في كل العصور على أن الموسيقى تلطف المشاعر وترهف الأحاسيس وتسمو بالنفوس وتبعث فيها النشوة والبسمة. وحيث أن الإنسان العربي قديم قد التاريخ. وإن الآثار كشفت عن وجود ممالك عربية ذات مدنيات خاصة تضارع بابل وأشور. لذلك لا بد لنا من كشف النقاب عن هذا الفن عند العرب.
وهنا يعود بنا التاريخ إلى العصر الجاهلي حيث اشتهر العرب بفن الغناء والشعر. وإن الشعر الجاهلي بما يبلغه من تطور ونضج ينم عن مدى تعلق العرب المبكر بهذا الفن، ويدل على أهميته الكبرى عندهم. ونستطيع أن نتبين أعماق الفكر العربي في هذا المجال إذا قرأنا أشعار امرئ القيس والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى والأعشى وعنترى وغيرهم. وإن ما يتميز به هذا الشعر من موسيقى وإيقاع بسبب الأوزان والقوافي قد منح الإنسان العربي ذوقا رفيعا في الموسيقى والغناء، وأذنا تتقبل الإيقاعات التي تتفق مع ذوقه الموسيقي.
ثم تطور هذا الفن الموسيقي في ركب الحضارة العربية حتى بلغ ذروة مجده. وإذا ما تطلعنا إلى هذا التطور فإننا نذهل لضخامة وقيمة الإبداع الذي أظهره العربي في هذا المجال من إتقان للسلم الموسيقي والآلات الموسيقية.
لقد اهتم العرب اهتماما كاملا بالموسيقى ونظروا إلى هذه الصناعة نظرة إجلال واحترام وحظي المجيدون فيها بكل عناية وتقدير، وشغف بها الخلفاء والأمراء والقضاة والفلاسفة والعلماء وأعطوها حقها من الرعاية والتقدير.
والتقدم في الموسيقى يستتبع التقدم في صناعة الآلات الموسيقية، لا سيما لدى شعب عملي كالشعب العربي. فقد حقق العرب منجزات كبيرة في علم الحيل وتقنية الآلات وجعلوا من صناعة الآلات الموسيقية فنا رفيعا. فهناك عدة وسائل في صناعتها، وهناك دلائل على أن العرب كانوا مبتكرين في هذا المضمار: فزلزل أدخل العود الشبوطي، والزنام أو الزلام رسم آلة هوائية تسمى ناي زنامي أو زلامي، وأضاف زرياب إلى أوتار العود الأربعة وترا خامسا، ورتب هذه الأوتار بحيث يعادل كل وتر ثلاثة أرباع ما فوقه، واخترع مضراب العود من قوادم النسر بعد أن كان من مرهن الخشب. وفي أواخر القرن التاسع الميلادي وضع أبناء موسى بن شاكر أسس وقواعد الموسيقى الميكانيكية واستعملوا البريخ الموسيقي لتوزيع الألحان. هذه الموسيقى التي لم تظهر بوادرها في أوروبا إلا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. وفي القرن العاشر الميلادي ابتكر الفارابي الربابة والقانون. واشتهر العباس وأبو المجد بصناعة الأرغن. وأما صفي الدين عبد المؤمن الأرموي فقد اخترع القانون المربع المسمى نزهة وآلة أخرى تسمى المغنى.
هذا هو مفهوم الموسيقى في العالم العربي، وهذا إنتاجهم في هذا المضمار. لقد أبدع المفكرون والعلماء العرب في علم الموسيقى ووصفوا له القواعد والأصول وسموا به سمو النفس الرفيعة المتعالية، واحترموا المجيدين فيه وأعلوا من شأنهم.
ومن حياة العرب اليومية، تؤكد بعض الروايات التي وردت في (الأغاني، إحياء علوم الدين، العقد الفريد) تؤكد على أن الجمل يغير خطواته بحسب تغيير الإيقاع والوزن، والغزال يسهل قيادته بالألحان، والحيات تنسحر، والنمل يرتمي في النار، وبعض الطيور تهوى ميتة على صوت الموسيقى، وان أناساً تأثروا بالصوت الحسن تأثراً شديداً .
والروايات القديمة تحكي لنا الكثير عن هذا الموضوع . نقول إحداها:
" إن الطير والوحش كانت تصغي إلى صوت النبي داوود، والسبعين نغمة التي كانت تصدرها حنجرته، وكان من يسمعه يغمى عليه من الطرب " .
ولقد لعبت الموسيقى دوراً هاماً في أسرار العرافين والسحرة، والأنبياء العرب مثلهم في ذلك مثل جميع الساميين.
ومن الواضح أنهم كانوا يستدعون الجن بالموسيقى، ومن بقايا هذه المعتقدات تمسكهم فيما بعد بأن الجن يوحون بالأشعار للشعراء، وبالألحان للموسيقيين. ويعطينا القرآن بعض التصورات الهامة المتعلقة بالموسيقى والسحر، وقد أكد فقه اللغة الصلة الوثيقة بينهما.
فالعربية تطلق على صوت الجن " العَزْف " وهو اسم آلة موسيقية خاصة أيضاً وحين يشبه اليهود "روح القدس " بأصوات القيثارة، كما نرى في أناشيد سليمان يبدو أنهم استقلوا هذا الرمز البارز من الثقافات البدائية .